الآية الأولى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}.{الزَّانِيَةُ}: الزّنا: هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح.وقيل: هو إيلاج في فرج مشتهي طبعا محرم شرعا.والزانية: هي المرأة المطاوعة للزنا، الممكنة منه كما تنبئ عنه الصيغة لا المكرهة. وكذلك {وَالزَّانِي}.{فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما}: الجلد: الضرب، يقال: جلده إذا ضرب جلده، مثل بطعنه إذا ضرب بطنه ورأسه إذا ضرب رأسه.{مِائَةَ جَلْدَةٍ}: وهو حد الزاني الحر البالغ البكر وكذلك الزانية.وثبت بالسنة زيادة على هذا الجلد وهو تغريب عام، وبه قال الشافعي واختصه مالك بالرجل دون المرأة، وجعله أبو حنيفة إلى رأي الإمام.وأما المملوك والمملوكة فجلد كل واحد منهما خمسون جلدة ولقوله سبحانه: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ} [النساء: 25]، وهذه نص في الإماء، وألحق بهن العبيد لعدم الفارق.وأما من كان محصنا من الأحرار فعليه الرجم بالسنة الصحيحة المتواترة وبإجماع أهل العلم، وبالقرآن المنسوخ لفظه الباقي حكمه وهو: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.وزاد جماعة من أهل العلم مع الرجم جلد مائة.وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في ذلك في شرحه للمنتقى.وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء.ووجه تقديم الزانية على الزاني أن الزنا في ذلك الزمان كان في النساء أكثر حتى كان لهن رايات تنصب على أبوابهن ليعرفهن من أراد الفاحشة منهن وقيل: وجه التقديم أن المرأة هي الأصل في الفعل وقيل: لأن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب، وقيل: لأن العار فيهن أكثر إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكرها تغليظا واهتماما.والخطاب في هذه الآية للأئمة ومن قام مقامهم، وقيل: للمسلمين أجمعين لأن إقامة الحدود واجبة عليهم جميعا والإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامتها.{وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ}: هي الرقة والرحمة.وقيل: هي أرق الرحمة.ومعنى {فِي دِينِ اللَّهِ}: في طاعته وحكمه، كما في قوله تعالى: {ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76].ثم قال مثبتا للمأمورين ومهيجا لهم:{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: كما يقول الرجل للرجل يحضه على أمر: إن كنت رجلا فافعل كذا أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال فلا تعطلوا الحدود.{وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} أي ليحضره زيادة في التنكيل بهما وشيوع العار عليهما واشتهار فضيحتهما.والطائفة: الفرقة التي تكون حافة حول الشيء من الطواف. وأقل الطائفة ثلاثة، وقيل: اثنان، وقيل: واحد، وقيل: أربعة، وقيل: عشرة.